Sidebar Ads

الدولار وتعريفات دونالد ترمب ومخدرات الصين .. الخدعة والكواليس


هذه المرة قد تشعر بأنك شاهدت ما يحدث من قبل وبقدر وضوح الحقيقة وضوح الشمس بقدر ما ينكرها البعض ربما لوضوحها الشديد ، الفيدرالي الأمريكي خذل الرئيس ، جيروم باول خفض الفائدة لكنه أطاح بالأسواق وعزز الدولار بكثير من قلة الحنكة والأداء الإعلامي السئ أثناء مؤتمره الأخير وهو ما منح الرئيس الأمريكي الكثير من الأسباب ليتصاعد غضبه على الجميع لا سيما أنه حاول أن كثيرا أن يتجاهل الكثير من الأمور الصعبة خلال الفترة الأخيرة بينما يعد نفسه لإنتخابات رئاسية جديدة هو فعليا أكثر الجميع حظا فيها



لكن  يبدو أن خذلان جيروم باول للرئيس الأمريكي والسير ضد توجهاته الاقتصادية لم يكن نهاية المطاف خلال ذلك اليوم فبعد أن غرد دونالد ترمب يتهم باول بأنه خذله مرة أخرى كانت المزيد من الأخبار السيئة تنتظر دونالد ترمب وعلى نفس الصعيد الإقتصادي ( وهو المجال الذي أثارت نجاحات ترمب شغف  متابعيه فيه وهو المجال الذي يمنحه الفرصة فعليا لفترة رئاسية قادمة ) حيث لم يكد دونالد ترمب يلتقط أنفاسه من كارثة جيروم باول ليفاجأ بالمزيد من الأخبار السيئة تأتي من الصين بشكل عاجل

الصين لم توقع على اتفاق التجارة الذي ظن ترمب أنهم سيوقعون عليه وراهن عليه كثيرا ومن أجل ذلك تراجع خطوة للخلف أمام كوريا الشمالية وخطا خطوة للأمام بلقاء تاريخي مع زعيمها المثير للجدل
لكن الآن الصين لم توقع ، تنازلات ترمب لم تمنحه شيئا

دونالد ترمب الذي حول تويتر إلى متحدث إعلامي و وسيلة لإعلان القرارات مبكرا عن أضابير الحكومة لجأ إلى تويتر بعد ساعات من تغريداته الغاضبة من جيروم باول ، ليضيف تويتات طويلة وغاضبة ومتلاحقة حول قصة الصين والإتفاق المفقود

ثلاث تويتات سريعة متلاحقة قلبت الأسواق رأسا على عقب
التويتة الأولي في ترجمتها الحرفية تقول
عاد ممثلونا للتو من الصين حيث أجرى محادثات بناءة تتعلق بصفقة تجارية مستقبلية. كنا نظن أننا عقدنا صفقة مع الصين قبل ثلاثة أشهر ، ولكن للأسف ، قررت الصين إعادة التفاوض على الصفقة قبل التوقيع. في الآونة الأخيرة ، وافقت الصين على ...

التويتة الثانية استكمالا لما بدأه الأولي تقول
... شراء المنتجات الزراعية من الولايات المتحدة بكميات كبيرة ، ولكن لم تفعل ذلك. بالإضافة إلى ذلك ، قال صديقي الرئيس شي إنه سيوقف بيع فنتانيل للولايات المتحدة - وهذا لم يحدث أبداً ، ولا يزال الكثير من الأمريكيين يموتون! المحادثات التجارية مستمرة ، و ...

التويتة الثالثة إستكمالا للثانية تقول
.. خلال المحادثات ، ستبدأ الولايات المتحدة ، في الأول من سبتمبر ، في فرض تعريفة إضافية صغيرة تبلغ 10٪ على ما تبقى من 300 مليار دولار من البضائع والمنتجات القادمة من الصين إلى بلادنا. هذا لا يشمل 250 مليار دولار تعرفة بالفعل بنسبة 25 ٪ ...
نتطلع إلى مواصلة حوارنا الإيجابي مع الصين حول صفقة تجارية شاملة ، ونرى أن المستقبل بين بلدينا سيكون مشرقًا للغاية

ملخص الأمر أن  ترمب يخبر العالم بالقصة ويهدد بالرد وملخص القصة كالآتي:
كانت المفاوضات جارية على مدار ثلاثة أشهر مع الصين للوصول لاتفاق تجاري معها ( نتذكر أننا شهدنا أيضا هدنة خلال تلك الفترة ) وقد وافقت الصين على شراء منتجات زراعية بكميات كبيرة من أمريكا ( يحتاج ترمب الى ذلك لتعديل الميزان التجاري مع الصين ) كما وافق الرئيس الصيني ( مازال ترمب يصفه بأنه صديقه ) على التوقف عن بيع وتصدير مادة الـ فنتانيل ( مادة كيميائية تستخدم بالأساس كمسكن لكن يخلطها تجار المخدرات الأمريكان مع الهيروين ومشتقات أخرى لإنتاج مخدرات عالية الجودة ) الأمر الذي يجده ترمب سببا في موت الأمريكان
وردا على ذلك يجد ترمب أنه يجب أن يستكمل التفاوض مع الصين لكن تحت الضغط عبر إعلانه ( وليس تقريره ) بأنه سيفرض تعريفة عقابية جديدة على 300 مليار دولار من المنتجات القادمة من الصين إلى أمريكا بنسبة 10 بالمائة ، ثم يعود ليذكر أن تلك الـ 10 بالمائة ستضاف إلى الـ 25 بالمائة السابقة التى فرضها من قبل ودفعت الصين للتفاوض

إلى هنا تنتهي تويتات ترمب لكن الكواليس تحمل الكثير من المفارقات

وفقا لما توصلت إليه وكالة رويتر وأكده مصدران على الأقل من المتنفذين الأمريكان فإن دونالد ترامب  طلب من الممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتهايزر أن يتصل بالصين ليحذرها من أن رسوما جمركية جديدة قادمة وذلك قبل أن يبدأ ترامب بكتابة تويتاته المتلاحقة
وكان على الممثل التجاري الأمريكي أن يتصل بالمبعوث التجاري الصينى ليخبره بذلك قبل أن يشرع ترامب في كتابة تويتاته لكن الممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتهايزر أوضح لترامب أن الساعة الآن في الصين هي الواحدة صباحا ولابد أن نظيره الصينى نائم حاليا  فطلب منه ترامب أن يحاول وإن لم يتمكن من الوصول إليه فعليه أن يترك له رسالة على الهاتف بذلك

بعد قليل كان دونالد ترامب يغرد على تويتر بالتويتات التى قلبت الأسواق رأسا على عقب

ويبدو أن ترمب كان يعلم أن التهديد بفرض المزيد من التعريفات الجديدة سيقابل بشكل سئ من داخل أمريكا نفسها ففي مارس الماضي نشر المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية دراسة أظهرت أن المستهلك الأمريكي تحمل كل تكلفة الرسوم التي فرضت على الصين في 2018.

وهو ما اضطر دونالد ترامب لنفيه دون دليل بعد ذلك قائلا عبر رويتر يوم السبت (الأمور تسير بشكل جيد مع الصين ، المستهلكين الأمريكيين لا يتحملون عبء الرسوم الجمركية التي فرضت على الواردات على الرغم من أن الاقتصاديين يقولون إن المواطنين هم من يسددون الفاتورة.)

ويعود ليؤكد ذلك عبر تويتر (الأمور تسير بشكل جيد جدا مع الصين. يدفعون لنا عشرات المليارات من الدولارات ويسمح لهم بذلك خفض قيمة العملة فضلا عن ضح مبالغ نقدية ضخمة كي يستمر العمل. حتى الآن لم يتحمل المستهلكون أي أعباء وليس هناك تضخم. لم نتلق مساعدة من مجلس الاحتياطي الاتحادي)

تحديدا دونالد ترمب محبط من جيروم باول ، الصين أضافت المزيد لمشاكله ، تعريفاته العقابية يري البعض من المتخصصين أن عقاب للمواطن الأمريكي وليس للصين
فعليا الرئيس الأمريكي في موقف حرج يهدد رهاناته السياسية بالكامل


الصين أيضا تدرك الأمر وتدرك أن دونالد ترامب محبط للغاية ويبحث عن بادرة أمل ، نجحت الصين خلال الشهور الماضية في دفع الرئيس الأمريكي الي التقليل من سقف طلباته وطموحه ، بل يمكن القول أنها أثرت عليها كثيرا فيما يخص كوريا الشمالية وحتى إيران ، شغف الرئيس الأمريكي بإنجاز على صعيد الإتفاق التجاري مع الصين ليقدمه لناخبيه في وقت يتعرض فيه لمشكلات كبيرة قد لا يكون آخرها إعادة إثارة أزمة التدخل الروسي في الإنتخابات الأمريكية ، تدفعه دفعا لتقديم إنجاز ما لناخبيه

والصين تدرك تماما أنها قادرة على الصبر وهو ما لا يتوافر بالنسبة للرئيس الأمريكي الذي مارس إطلاق بعض ( قنابل الدخان ) لصرف النظر عن أزمة الصين فانخرط في الغاء اتفاق نووي مع روسيا وبعض العقوبات المتكررة ضدها والتى لا تفعل شيئا

لكن الصين تفعل تماما كما يفعل دونالد ترامب ، لا تقطع الخيط إطلاقا ، تحدثت عبر سفيرها الجديد لدى الأمم المتحدة تشانغ جون يوم الجمعة لتقول على لسانه : "موقف الصين واضح جدا في أنه إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في الحديث فإننا عندئذ سنتحدث.. وإذا كانوا يريدون القتال، عندئذ فإننا سنقاتل".

وذلك قبل أن يتجه إلى الحديث عن أثر تعريفات ترامب التى لم يقرها بعد على التعاون بين البلدين فيما يخص كوريا الشمالية ليقول "سيكون من الصعب تصور أنك من ناحية تلتمس التعاون من شريكك، ومن ناحية أخرى أنت تلحق ضررا بمصالح شريكك".

بالتالي أجد أن الأسواق قد بالغت كثيرا في التأثر بكل ما حدث ، دونالد ترامب يبحث عن إتفاق بشئ من التعجل مع الصين المتحلية بكل ما تحتاجه من الصبر للوصول إلى ما يناسبها
التعريفات الجديدة هي مجرد تهديد لم يتم بعد وتعمل كمحفز للصين للإسراع بالوصول إلى إتفاق
التعريفات لها معارضة داخل أمريكا نفسها كونها ينظر لها البعض بإعتبارها عقاب للمواطن الأمريكي بأكثر منها عقاب للصين
الصين أيضا مازالت تحافظ على خيط رفيع مع ترامب ، إذا أراد أن يتحدث ستتحدث الصين وإذا أراد أن يقاتل فسيقاتلون

لكن فعليا لا ترامب راغب ولا مستطيع لمواجهة إقتصادية مفتوحة مع الصين ( الحائزة لحجم هائل من سندات الخزانة الأمريكية إضافة لإحتياطي ضخم من الدولارات الأمريكية ومخزون هائل من الذهب الذي ساهم ترامب خلال لحظات في زيادة قيمته عبر تويتاته ) 
ولا الصين أيضا راغبة في القتال ، فخياراتها هي الأخرى مؤلمة لإقتصادها ، عقوبات وتعريفات وما إلى ذلك وهي تريد أن تعمل دون قيود كما كانت تعمل خلال العقود الماضية ، لكن إذا كان لابد من بعض القيود فلتكن قليلة وليست مستحيلة

ما أعنيه أن الطرفان لن يصلا لمرحلة القتال فعليا ، هو أمر أشبه بالحرب الباردة بين أمريكا وروسيا قبل عقود ، العالم أجمع يدرك أن لا أحد سيضغط على الزناد لكن الخوف من الأثر اللا نهائي لتلك الضغطة يجعل أقل الإحتمالات الصفرية مرعبا للجميع وضاغطا على أعصابه
والاسواق تتمتع بأعصاب مستفزة ومستنفرة طوال الوقت لذلك كان أثر ما أعلنه ترامب قاسيا على الأسواق وربما كان الأكثر وضوحا هو الذهب الذي تحرك صعودا من نزول متوقع ومنطقي قرب الـ 1400 ليلامس الـ 1450 بينما تحرك مؤشر الدولار الأمريكي من 98.23  إلى 97.38 بينما واصل داوجونز نزيفه مكملة صدمة باول بصدمة تويتات ترامب ليهبط إلى 26248

لكن ينتظر أن تأتي الفترة القادمة ضمن مهلة الشهر قبل تطبيق تعريفات ترامب الجديدة بالكثير من المتغيرات ولا ننسي أن الكثير من المفاوضات الفعلية تتم بعيدا عن القاعات الرسمية وأعين الصحافة
ولا ننسي أيضا شكل السلوك الذي انتهجه كلا الطرفين أثناء تلك المواجهة ، ترامب يحاول إخبار الصين أنه سيهدد بفرض تعريفات جديدة قبل الحديث عنها ، والصين تحافظ على لهجة الراغب في الحوار مالم تضطر لغير ذلك
ومن الداخل الأمريكي لدينا معارضة ونقد لتلك التعريفات التى تؤثر على المواطن الأمريكي أولا ، ولدينا من ينتظرون الفرصة لسؤال الرئيس عن كوريا الشمالية وإيران

في النهاية لا ترامب ذاهب إلى نهاية الطريق ولا الصين أيضا ذاهبة إليه لكن دائما التفاوض مع الصين كان مرهقا لكل من تفاوض معها في أي شئ فالصبر الصينى الذي لا ينفذ يشعر مفاوضوها أنها تعيش ضمن منظومة زمنية مختلفة قليلا عن باقي العالم وكان ذلك دائما سلاحا صينيا فعالا استخدمته الصين في كل ما يتعلق بالتفاوض خارج آسيا ولا سيما مع أوروبا التى تعد بالنسبة لأمريكا في حقبة ترامب قارة هادئة الأعصاب

Post a Comment

0 Comments